ربما يأتي هنا قول من يقول: ماذا كان يعبد قوم إبراهيم عليه السلام؟ أي: ما هي الآلهة التي كانوا يعبدونها؟من كلا الحادثتين: الحادثة التي تتعلق بالكواكب ورؤيته لها كما في سورة الأنعام, وبقية القرآن كما في الشعراء والصافات في قضية الأصنام؛ يمكن أن نفهم كما قرره شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمة الله عليه وغيره من العلماء: أنهم كانوا يجمعون بين الأمرين.تلك الأمم وبالذات قدماء الحرانيين و
الصابئة -وبالمناسبة
الصابئة ينتسبون لإبراهيم عليه السلام في مواضع وأشار
العقاد إلى بعضها في كتابه:
إبراهيم أبو الأنبياء- المقصود: أن هناك التقاء بين عبادة الكواكب وبين عبادة الأصنام المنحوتة، وحتى العرب كانت هذه موجودة عندهم؛ يعني: كان منهم من يعبد الشِّعرى ومن يعبد غيرها, وكان منهم -كما هو معروف- من يعبد الحجارة.. لكن -مع أن ذلك لا يهمنا- ما الرابط بين عبادة الكواكب وعبادة الحجارة؟يقال: إن الهياكل التي تُبنى في الأرض تبنى باسم المعبود من الكواكب، فالأمم القديمة ولا يزال -مع الأسف الشديد- إلى اليوم السحرة والكهنة وبعض
الملاحدة يعتقدون بتأثير الكواكب والنجوم في الأحداث الأرضية، وبسبب اعتقادهم ذلك بنوا لها هيكلاً في الأرض, ويتقربون له، ويذبحون فيه؛ بناء على أن هذا هيكل زحل, وهذا هيكل المشتري الذي يسميه الرومان جيوبيتر, وهذا هيكل المريخ؛ وهذا هيكل الشعرى إلى آخر ما يعبدون، فهذا الهيكل الأرضي تُذبح فيه الذبائح, وتوضع فيه الصور، والصور أول ما وجدت صور العباد الرجال الصالحين من قوم نوح:
ود و
سواع و
يغوث و
يعوق و
نسر, كما تبين من قبل, ولا يزال حتى اليوم الأغلب والأكثر حقيقة من الصور التي تصور عن المعابد والهياكل وما غير ذلك؛ يظهر الرجل وقد وضع يديه على صدره بهيئة الصلاة وبعضهم بلحية! مظهر مهيب وقور يدل على أن هذا ولي صالح, بالذات صور سومر؛ لأنهم أقدم الأمم, وقد يكون ذلك من بقايا قوم نوح عليه السلام. فالمقصود: أنها تُعبد بناء على ذلك, ثم تُنحت أصنام أخرى بأي شكل من الأشكال فتُحمل أو تعظم أو تقدس -ولا غرابة فنحن الآن نرى
البوذيين يعبدون تمثال بوذا ويحملونه معهم- ثم تتطور الأمور فيتكسّب بعض الناس بنحت الأصنام وبيعها وبتكثيرها، وبعد فترة يرى كل إنسان أنه يريد أن يكون في بيته صنم, كما حدث عند بعثة النبي صلى الله عليه وسلم, وغير ذلك من الأمم.المقصود: أن هناك علاقة, ولا يُفترض أننا نجد علاقة عقلية منطقية واضحة في التفكير الشركي والتفكير الوثني؛ لكن نحن نفترض أن هناك علاقة بين المعبودات العلوية -الكواكب أو النجوم- وبين المعبودات الأرضية أو المنحوتة, كما كان هذا حادثاً في قوم إبراهيم عليه السلام.إبراهيم خليل الرحمن عليه السلام من شبابه ومن فتوته, وبعد أن ألهمه الله تبارك وتعالى رشده وصفى ونقى فطرته وأعلاها عن كثير من البشر، وإلا فكل الفطر تنكر ذلك؛ لكن نستطيع أن نقول: إنه نوع أرقى من الفطر, وهذا إرهاص للنبوة والرسالة أنكر ذلك وجادل قومه بشأنه.